كلمات من سوزان مجدي: "لقد أدركت الآن أن التربية ليست مجرد تعليم، بل رحلة للمشاركة والتمكين

التاريخ:

سوزان مجدي، 42 عامًا، متزوجة وأم لطفلين؛ محمد (16 عامًا) ويوسف (13 عامًا) من محافظة القاهرة، انضمت إلى معسكرات "التنشئة المتوازنة ما بين الأمومة والأبوة" التي نظَّمتها هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مصر بالشراكة مع المجلس القومي للمرأة، وبالتعاون مع معهد التعاون والتنمية الأوروبي ومنظمة القلب الكبير، خلال حملة الـ16 يومًا من النشاط للقضاء على العنف ضد المرأة، يوم 25 من نوفمبر حتى 10 من ديسمبر 2024، بمشاركة نحو 650 طالبًا/طالبة وأسرهم، من ثلاث مدارس فنية تطبيقية؛ إلكترو مصر ودون بوسكو في القاهرة، والورديان بالإسكندرية، بالإضافة إلى أُسر من حي الأسمرات.

Suzanne Magdy and her son Mohamed
صورة لسوزان مجدي وابنها محمد في مدرسة إليكترو مصر خلال معسكر التنشئة المتوازنة ما بين الأمومة والأبوة الذي نُظِّم في إطار حملة الـ 16 يومًا من النشاط للقضاء على العنف ضد المرأة، في 30 من نوفمبر 2024. صورة: بإذن من معهد التعاون والتنمية الأوروبي.

المعسكرات تهدف إلى رفع الوعي بالمبادئ الأساسية للتنشئة المتوازنة لحثّ الآباء والأمهات على معاملة أبنائهم وبناتهم بعدالة، من خلال الأنشطة والنقاشات التفاعلية، كما تناقش الصور النمطية الخاطئة لدور الرجل والمرأة في المنزل، وتسلّط الضوء على أهمية مشاركة الرجال والفتيان في أعمال الرعاية غير مدفوعة الأجر والأعمال المنزلية، وكيف يؤثر ذلك إيجابيًا في الأسرة بأكملها.

نُظِّمت هذه المعسكرات في إطار برنامج "التمكين الاقتصادي للمرأة في مصر" الذي تنفذه هيئة الأمم المتحدة للمرأة بدعم من الوكالة الكورية للتعاون الدولي.

"أنا الابنة الكبرى بين ثلاثة أطفال، نشأتُ في أسرة متواضعة، كان والدي عاملًا باليومية، يعمل ساعات طويلة قبل أن يعود إلى المنزل متأخرًا ومرهقًا، فيما أمي تحافظ على استقرار العائلة وتهتم بنا إلى جانب أعبائها المنزلية. البيت كانت تحكمه قواعد صارمة كعدم السماح لأخي بالخروج مع أصدقائه بعد منتصف الليل، فيما كانت القواعد أكثر صعوبة بالنسبة لي ولأختي، وحال مخالفة ذلك كان "الضرب" هو الحل الذي تلجأ إليه عائلتي، لكنني أتفهّم الآن أن كل هذا كان بدافع الحب والاهتمام.

مع ذلك، ففي أثناء نشأتي تعرّضت لكثير من المضايقات سواء في المنزل أو المدرسة التي كانت المعاملة فيها أكثر صرامة بالإضافة إلى تعرضي للتنمر من أحد أساتذتي ما دفعني إلى تركها في سن الرابعة عشرة، وهو ما أندم عليه الآن، لأن إكمالي دراستي كان يمكن أن يُسهم في دعم عائلتي خلال الأوقات الصعبة، خاصة عندما كان زوجي الراحل يعاني فشلًا كلويًا دون تأمين صحي، وبعد وفاته، انتقلتُ للعيش في منزل العائلة مع والدتي لتساعدني في رعاية طفليّ، إذ لم أكن أعمل وقتها.

وكامرأة اضطرت إلى لعب دور الأب والأم معًا كنت أشعر بالغضب والضغط النفسي في كثير من الأحيان، مما جعلني أعامل أولادي معاملة سيئة، دون قصد؛ كنت أعاملهم بالطريقة التي تعودت عليها منذ صغري وأنا أحسب أن هذا هو الطبيعيٌ، حتى التحقتُ بمعسكر "التربية المتوازنة" الذي جعلني أدرك أهمية السماح لأولادي بالتعبير عن مشاعرهم، وساعدني على رفض المفاهيم القديمة كضرورة إخفاء الأولاد مشاعرهم لمجرد أنهم فتيان! الآن، أومن أن من حق أولادي التعبير عن مشاعرهم وعاطفتهم، بعيدًا عن التحديدات الصارمة لمفهوم الذكر والأنثى والصفات التي يجب أن يتّسم بها كل منهم.

وعندما أخبرني ابني محمد عن المعسكر وطلب مني مشاركته فيه، قرَّرت للوهلة الأولى أن أطلب من أخي الحضور معه، ولو كنت قد فعلت ذلك لكان قد فاتني كثير مما تعلمت! إذ فتح حضوري عيني على الأخطاء التي كنت أرتكبها دون قصد، وجعلني أدرك أهمية مفهوم "مشاركة" أبنائي في اللحظات الممتعة والصعبة. لا أذكر مثلًا أنني لعبت معهم أي ألعاب سابقًا، لكن في أثناء المعسكر، كنت سعيدة بإصلاح ذلك، وشعرت بسعادة ابني الغامرة فيما كنا نرسم معًا صورة لقلوب متشابكة، وتأثرتُ بكلماته عندما كتب على رسمتنا "أفضل امرأة في العالم".

وفي السابق أحيانًا ما كنت أشعر بالحزن لعدم إنجابي ابنة، لكنني أدركت الآن أن جميع الأطفال نعمة، وتعلمت أن أبنائي لديهم مشاعر وأفكار يجب أن تكون لديهم مساحة آمنة للتعبير عنها، إذ رغم أنني ربّة منزل، كنت أهمل في الوقت المخصص لهم، لانشغالي بالأعمال المنزلية التي تستنزفني طوال اليوم، وكل ما كان يشغلني وقتها نجاحهم في المدرسة وأن يكونوا دائمًا في عيون الآخرين "الشطَّار"، وهو ما تحقق بالفعل، لكنني اكتشفتُ أن كل هذا لا يبرر ابتعادي عنهم، ويجب ألا يحرمني حضور أحداثهم اليومية وقصصهم ومشاركتهم اهتماماتهم!

ويمكنني الآن أن أقول إنه من خلال الجلسات التفاعلية التي قُدمت في المعسكر فهمت قضايا مهمة مثل دور الرجل والمرأة في الحياة، وسُبل التواصل بين الآباء والأبناء، وأساليب التربية السليمة، والمفاهيم الخاطئة التي يجب محاربتها. لقد منحني المعسكر فرصة لقضاء وقت ممتع مع ابني والآخرين، والمشاركة في أنشطة متنوعة أعادت إليّ حماسي للحياة ولدوري التربوي. كل ذلك جعلني أضحك وأبكي من قلبي مع ابني، لأول مرة منذ 12 شهرًا بعد وفاة والده.

إننا نتعرَّض -آباء وأمهات- طوال حياتنا، لعديد من الضغوط التي يمارسها علينا مَن حولنا، حتى الإعلام والمجتمع، مع ذلك يجب ألا نترك ذلك ليكون سببًا في الإساءة إلى أطفالنا أو تحميلهم نتيجتها. ورغم كوني أمًا عزباء لابنين فقد قررتُ الالتزام بغرس مفهوم "المشاركة" في جميع جوانب حياتي، والانخراط مع مَن حولي في لحظات الفرح والأعمال المنزلية والمسؤوليات والتحديات، مع محاولة بناء بيئة أسرية يشعر فيها الجميع بالأمان للتعبير عن نقاط ضعفهم والاحتفاء بنجاحاتهم، بعد أن أصبحتُ أومن أن هذا أساس العلاقة المتوازنة الصحية.