تمكين الناجيات من العنف عن طريق الفن

التاريخ:

أحمد سواحل، المدير الطبي في دوار. (هيئة الأمم المتحدة للمرأة/ إسماعيل حامدي)

تقف مجموعة من خمس نساء أمام غرفة مليئة بالجمهور حيث يعم الصمت. تبدأ عائشة في إعادة تمثيل حياتها مع طليقها الذي كان يعتدي عليها بالضرب. تدخل مريم وتجسد دور الزوج السابق الذي كان يقوم بضرب زوجته، وتبدأ الثلاث نساء الأخريات بالبكاء في ركن الغرفة، كما اعتاد ان يفعل أطفال عائشة. فجأة، تقف عائشة وتدفع "زوجها" بعيدًا، وتمسك بحقيبتها و"بأطفالها" وتغادر المسرح.  على الرغم من أن ذلك لم يكن رد فعل عائشة عندما كانت تتعرض لموقف مماثل، ولكن هذا ما تمنت أن تفعله. ومن خلال إعادة تمثيل آمالها، اكتسبت شعوراً بالتمكين والقوة.

تجد الكثير من الناجيات من العنف والتجارب المؤلمة صعوبة في التحدث والتعبير عن مشاعرهن وأفكارهن وتجاربهن، لذلك من الضروري إعادة تأهيل النساء نفسيا حتى يتمكنوا من الاستمتاع بحياة سعيدة وناجحة.

تعاونت هيئة الأمم المتحدة للمرأة مع دوار، وهو مركز ثقافي، لاستخدام الانواع المختلفة من الفنون في التعافي وإعادة تأهيل السيدات اللاتي تعرضن للعنف من خلال منحهن مساحات مختلفة للتعبير عن التجارب المختلفة التي تعرضن لها. يستخدم البرنامج أدوات علاجية مختلفة لمساعدة النساء في التغلب على تجاربهن المؤلمة، إحدى هذه الأدوات هي السيكودراما، التي تسمح للمشاركات بإعادة تمثيل تجاربهن الشخصية السابقة والتعبير عن كل المشاعر المكبوتة التي لم تتح لها فرصة من قبل للتعبير عنها. ومن خلال هذه الطريقة العلاجية، تُمنح النساء الفرصة للرد والتصرف بالطريقة التي كن يتمنّينها والتعبير عن أنفسهن في مكان آمن، مثلما فعلت عائشة.

"تعتمد جلسات السيكودراما على خلق بيئة آمنة للمرأة مما يسمح لها بالتعبير بحرية وبقبول غير مشروط بتجاربها المؤلمة مما يعزز فرصة التعافي من الاساءات السابقة. ومن خلال توفير الأمان الذي افتقدته المرأة خلال تجاربها المؤلمة، تتكاتف المجموعة وتتحول عندها الي عنصر مساندة ودعم لبعضهن البعض" قال أحمد سواحل، المدير الطبي في دوار.

انضمت الكثير من النساء اللاتي ممرن بقصص وتجارب مختلفة إلى جلسات العلاج بالفن، بحثًا عن مكان آمن يمكنهن من مشاركة خبراتهن والتعافي. تضمنت المجموعة امرأة يمنية زوّجها والدها وهي طفلة لم تتجاوز الـ١٤ عاما من عمرها لرجل حبسها في المنزل لمدة ١٢ عاماً، حتى تمكنت من الهروب إلى مصر، وأخرى سورية فقدت ١٨ فرد من عائلتها في لحظة وقوع قنبلة على شارعهم، وامرأة مصرية أخرى تعاني من العنف المنزلي والتحديات الاقتصادية بسبب سيطرة زوجها على مالها.

" أندهش دائمًا من قوة هذه النساء وقدرتهن على الضحك بالرغم من التجارب المؤلمة التي مروا بها،" أضاف سواحل.

يركز البرنامج على إشراك نساء من مختلف الجنسيات، وعلى الرغم من تنوع الجنسيات في نفس الجلسة من مصريات ولاجئات من مختلف البلدان (سوريا، السودان، اليمن، إلخ)، إلا أنه لا توجد فجوة تذكر بينهن أثناء جلسات العلاج الجماعي.

وقال سواحل: "بالرغم من أن كل امرأة منهن قد مرت بتجربة مختلفة في تفاصيلها، إلا أنها مشاركة الأخريات لمشاعرهن وتحدياتهن ومعاناتهن المختلفة مما يكسر الإحساس بالوحدة لدى كل منهن، ويشعرهن ان هناك اخرون في العالم يعانين أيضا، ويخلق علاقة قوية بين افراد المجموعة ويتحولن لمصدر دعم للنساء الأخريات اللاتي يخضن نفس التحديات."

إلى جانب توفير خدمات العلاج بالفن، فإن هيئة الأمم المتحدة للمرأة ودوار يحرصان دائماً على مساعدة النساء في الوصول إلى الخدمات والأدوات اللازمة التي يحتاجون إليها لمواصلة التعافي بعد جلسات العلاج. فعلى سبيل المثال، إذا كانت هناك امرأة تتعرض حاليا للعنف المنزلي، فيمكن إحالتها إلى المجلس القومي للمرأة لتلقي المساعدة والدعم المطلوب.

وأضاف سواحل: "الملاحظة المشتركة بين المشاركات أنهن يغادرن جلسات العلاج بالفن أكثر قوةً وتمكيناً."

 

***

يأتي تعاون هيئة الأمم المتحدة للمرأة مع دوار للفنون والتنمية في إطار مشروع "التمكين الاقتصادي للمرأة الوافدة والمرأة المصرية". يهدف المشروع إلى تمكين النساء (اللاجئات والمصريات) ضد جميع أشكال العنف. يعزز البرنامج التمكين الاقتصادي للمرأة بطرق تبني قدرتها على الصمود وتدعمها في بناء علاقات آمنة وخالية من العنف ومتساوية. يتم تنفيذ هذا البرنامج بالشراكة مع المجلس القومي للمرأة والمفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة كير الدولية في مصر وممول من الحكومة اليابانية.

 

تنويه: مثال الدراما العلاجية لعائشة ومريم والثلاث نساء الأخريات هو مثال خيالي تم استخدامه للمساعدة في توضيح عمل هيئة الأمم المتحدة للمرأة ودوار.