كلمات من نانسي محمد: " العمل القانوني لا يقتصر على الدفاع عن الحقوق، بل على استعادة الأمل وإعادة بناء الحياة"
التاريخ:
نانسي محمد، محامية في مكتب شكاوى المرأة منذ 8 سنوات، تخرجت من كلية الحقوق بجامعة عين شمس عام 2012، وحاليًا تتابع دراستها العليا بالأكاديمية البحرية حيث تدرس الماجستير في إجراءات التقاضي، ذلك بالإضافة إلى حصولها على دبلومة في الشريعة. منذ صغرها، كانت نانسي مهتمة بقضايا حقوق المرأة وكانت دائمًا مهتمة بالتحديات التي تواجهها السيدات في مجتمعها.
"منذ صغري، كان هناك شيء بداخلي يدفعني إلى الدفاع عن حقوق المرأة. كنت أتابع كل ما يتعلق بقضايا المرأة ولطالما شعرت أن لدي دور في المساعدة وكان حلمي أن أكون جزءًا من التغيير. وفي عام 2017، عندما علمت من خلال الإنترنت أن المجلس القومي للمرأة فتح باب التقديم للعمل كمحامية داخلية، لم أتردد لحظة واحدة. تقدمت مباشرة، وكانت هذه خطوة فارقة في حياتي المهنية.
عندما بدأت العمل في مكتب شكاوى المرأة، كانت تجربتي مختلفة تمامًا عن كل توقعاتي. اكتشفت أن العمل هنا يتطلب الكثير من الفهم العميق للجانب النفسي للمرأة، خاصة عندما تكون قد تعرضت للعنف. لقد تلقينا ورش عمل ودورات تدريبية بشكل مستمر، ومن خلالها تعلمت أولاً كيفية التعامل مع هذه الحالات بشكل مهني، بالإضافة إلى كيفية الحفاظ على السرية التامة لجميع البيانات الخاصة بمقدمة الشكوى.
أهم ما تعلمته من هذه الورش هو أن المرأة التي تعرضت للعنف تحتاج إلى دعم نفسي وقانوني في نفس الوقت. ويجب أن أكون حريصة جدًا في طريقة تواصلي معها، في كيفية جلوسي ولغة جسدي، وفي اختيار الكلمات التي أستخدمها. تعلمت أنه لا يمكنني أن أطمئن المرأة بطريقة خاطئة، مثل قول "أنا أفهمِك" أو "أنا مقدرة وضعك"، لأن هذه العبارات قد تُستقبل بشكل سلبي من قبل الضحية من العنف حيث إنها قد تشعر أن الشخص الذي يتلقى شكواها لم يمر بتجربتها، مما قد يؤدي إلى رد فعل دفاعي منها.
كانت أهم الدروس التي تلقيتها أنني لا يجب أن أتعاطف مع مقدمة الشكوى/الضحية بالطريقة التي كنت أعتقد أنها طبيعية. لا يمكنني، على سبيل المثال، أن أقدم لها الدعم من خلال العناق أو الطبطبة، لأنها في حالة صدمة شديدة وذلك قد تجعلها تشعر بمزيد من الألم والخوف.
طبيعة عملي تحتاج تركيز، خصوصًا عندما أتعامل مع الحالات الصعبة التي تتعلق بالعنف الجنسي أو العنف الجسدي. لكن مع التدريبات المستمرة، تعلمت كيفية التعامل مع كل حالة بخصوصيتها سوا من خلال تقديم البلاغات إلى النيابة العامة، أو من خلال التوجيه إلى الجهات المعنية مثل وزارة الداخلية أو وزارة العدل. أصبح لديّ فهم أعمق للقانون والإجراءات، ولكن أيضًا للجانب الإنساني لهذه القضايا.
ومن خلال عملنا في مكتب شكاوى المرأة، نمتلك شبكة شراكات مع العديد من الجهات الحكومية والخاصة، مثل النيابة العامة التي تتابع القضايا الكبرى المتعلقة بالعنف الجسدي والتحرش، وكذلك مع المحامين والمحاميات المتطوعين الذين يساعدون في تقديم الدعم القانوني للنساء في المحاكم. كل حالة نتعامل معها هي عبارة عن قصة صراع وأمل، وكل محامية وطبيبة نفسية تعمل معنا تحمل مسؤولية كبيرة في دعم هذه النساء للوصول إلى حقوقهن.
من أكبر التحديات التي نواجهها في عملنا هو التأخير الكبير في الإبلاغ عن الحوادث. معظم السيات ضحايا العنف يتأخرن في تقديم الشكاوى، مما يجعل من الصعب جمع الأدلة والشهادات في الوقت المناسب. كلما تأخرنا، كلما أصبح تحقيق العدالة أكثر صعوبة. هذا يدفعني لأن أعمل على زيادة الوعي حول أهمية الإبلاغ المبكر وأهمية الدعم القانوني والنفسي في هذه المرحلة الحساسة.
أحد القضايا التي أتعامل معها بشكل مستمر هي العنف الاقتصادي. هناك العديد من النساء اللواتي يعانين من مشاكل مالية، سواء بسبب فقدان العمل أو لأنهن وقعن في فخ القروض غير الرسمية. هذا النوع من العنف يمكن أن يكون غير مرئي أو واضح بشكل مباشر، لكنه يؤثر بشدة على حياة المرأة ويزيد من شعورها بالعجز. لذلك، نحن نعمل في المجلس القومي للمرأة على تمكين النساء اقتصاديًا من خلال تدريبهن على حرف وصناعات معينة، لتوفير مصدر دخل مستدام لهن. كما نقدم لهن تدريبات على كيفية إدارة الأموال، وكيفية الحصول على قروض مالية بطريقة آمنة.
ما يجعلني ممتنة لعملي كمحامية بمكتب الشكاوى هى تلك اللحظات التي أرى فيها المرأة التي أمامي تستعيد قوتها وتستطيع أن ترى حياتها من منظور جديد. عندما أتمكن من مساعدتها نفسيًا وقانونيًا وأراها تأخذ خطوات نحو التعافي، أشعر أنني قدمت شيئًا ذات قيمة. أريد أن أكون دائمًا جزءًا من قصص التعافي والنجاح هذه، وأريد أن أستمر في تقديم الدعم لكل امرأة تحتاج إلى مساعدة، فإن العمل القانوني لا يقتصر على الدفاع عن الحقوق، بل على استعادة الأمل وإعادة بناء الحياة.
إن هذا العمل ليس سهلًا، ولكنه مجزي بشكل لا يوصف. تعلمت أن أفضل طريقة لدعم المرأة هي الاستماع إليها بصدق، وفهم احتياجاتها، وإعطائها الأدوات التي تساعدها على استعادة حياتها الكريمة. أحيانًا، تكون الكلمات قليلة، لكن الأفعال هي التي تحدث فرقًا حقيقيًا في حياة هؤلاء النساء."
يهدف مكتب شكاوى المرأة التابع للمجلس القومي للمرأة إلى تقديم الدعم القانوني والنفسي للنساء اللواتي يواجهن مختلف أنواع العنف والتمييز وانتهاك الحقوق. يعمل المكتب كمصدر رئيسي للنساء اللاتي يبحثن عن المساعدة والدعم، حيث يساعدهن في التنقل عبر الإجراءات القانونية ويوفر منصة لهن للإبلاغ عن شكاواهن. يمكن التواصل مع المكتب من خلال عدة قنوات، مثل الخط الساخن المخصص (15115)، واتساب (01007525600)، موقع المجلس الإلكتروني، أو بزيارة أحد فروع المجلس في جميع أنحاء مصر. كما يتعاون المكتب مع العديد من الجهات الحكومية وغير الحكومية لضمان تقديم الدعم الشامل للنساء المحتاجات.
تم تنفيذ التدريبات وورش العمل التي حضرتها نانسي في إطار الشراكة بين هيئة الأمم المتحدة للمرأة في مصر والمجلس القومي للمرأة والاتحاد الأوروبي والتي تهدف إلى إنهاء العنف ضد النساء في مصر من خلال زيادة الوعي وتعزيز الخدمات المقدمة للسيات ضحايا العنف.